وتواجه الليرة السورية طريقاً صعباً نحو استعادة الاستقرار المالي
لم يمر سوى أسبوعين على الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد، وما مصير الليرة السورية التي فقدت أكثر من 94% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي منذ اندلاع الأزمة في البلاد. في عام 2011، عاد للظهور.
ويبلغ سعر صرف الدولار في مصرف سورية المركزي اليوم نحو 15 ألف ليرة، بحسب تقرير يومي يصدره مصرف سورية المركزي لتوجيه الأفراد والشركات في البلاد.
ورغم رفض مسؤول في مصرف سوريا المركزي الرد على سؤال هاتفي من مراسل الأناضول حول حجم احتياطيات النقد الأجنبي المتوفرة حالياً، إلا أن تقديرات غير رسمية تشير إلى استنزاف الاحتياطيات.
وفي عام 2011، كان آخر بيان للبنك المركزي السوري إلى صندوق النقد الدولي يتعلق بحجم احتياطيات النقد الأجنبي المتوفرة، والتي بلغت حينها حوالي 14 مليار دولار.
وفي السنوات التي تلت ذلك، عانت سوريا من نقص في العملات الأجنبية حيث كانت البلاد بحاجة إلى توفير السلع الأساسية وتمويل قوات النظام، تزامنا مع العقوبات الأمريكية التي تقيد وصول النظام إلى النقد الأجنبي.
وحصلت الأناضول على أحدث نسخة من احتياطي الذهب العالمي، التي نشرها مجلس الذهب العالمي، والتي تبين أن آخر مرة كشفت فيها سوريا عن احتياطياتها من الذهب كانت في حزيران/يونيو 2011.
وبلغ إجمالي احتياطي سوريا من الذهب في ذلك الشهر ما يقارب 25.8 طناً، وتبلغ قيمته الحالية حوالي 2.23 مليار دولار أمريكي، ولم يعرف مصير هذه الاحتياطيات من الذهب بعد هذا التاريخ.
** التسلسل الزمني
وشهدت الليرة السورية تغيرات جذرية في قيمتها مقابل الدولار الأمريكي بين عامي 2010 وديسمبر 2024، في ظل الأحداث السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد والتي انعكست بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي وسعر الصرف.
في عام 2010، كان الاقتصاد السوري مستقراً نسبياً وكان سعر صرف الجنيه البريطاني مقابل الدولار يتراوح بين 47 و50 ليرة سورية مقابل الدولار.
وتميزت هذه الفترة بسياسة نقدية مستقرة، حيث اعتمدت الحكومة على تعزيز القطاعات الاقتصادية التقليدية، مثل النفط والزراعة والسياحة، مع تدفقات نقدية مستقرة نسبيا من مبيعات النفط الخام.
لكن مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في مارس 2011 وتحولها إلى أزمة سياسية، بدأت قيمة الليرة السورية في الانخفاض تدريجياً بسبب عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
وبحلول عام 2012، انخفض سعر الصرف إلى نحو 65-70 ليرة للدولار، بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة وبدء العقوبات الغربية على النظام السوري.
وشهدت الليرة السورية خلال هذه الفترة انهيارا حادا بسبب تصاعد الصراع العسكري والعقوبات الدولية وفقدان السيطرة على عدة مناطق غنية بالموارد.
ومع تراجع إنتاج النفط وتوقف الصادرات شبه الكامل، انخفض سعر صرف الليرة إلى نحو 150 إلى 180 ليرة للدولار في عام 2013.
وفي عام 2014، مع اشتداد القتال وسيطرة داعش على مناطق استراتيجية، انخفض سعر الصرف إلى حوالي 200-220 ليرة للدولار.
وبين عامي 2015 و2016، تفاقمت الأزمة الاقتصادية بشكل حاد، تزامنا مع تراجع الإنتاج الوطني وفقدان الحكومة السيطرة على معظم حقول النفط في شمال شرق البلاد.
كما أدت التكاليف المرتفعة للحرب إلى عجز مالي كبير، في حين أدت العقوبات إلى عزل سوريا أكثر عن الأسواق الدولية. ومع نهاية عام 2016، وصل سعر الصرف إلى نحو 500 ليرة سورية للدولار، وهو أدنى مستوى تاريخي حينها، ومثل انهيارًا كبيرًا في القدرة الشرائية للسوريين.
وفي 2017-2018، وبفضل التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية، تمكن النظام من استعادة بعض المناطق الاستراتيجية، مما أعطى مؤشرات على استقرار نسبي.
ومع ذلك، ظلت الليرة السورية تحت الضغط بسبب استمرار العقوبات ونقص الموارد. واستقر سعر الصرف بين 430 و500 ليرة للدولار خلال هذه الفترة، لكن الاقتصاد لم يتمكن من التعافي بسبب تدمير البنية التحتية وتراجع الاستثمار.
كان عام 2019 نقطة تحول صعبة بالنسبة لليرة السورية، حيث أدى الانهيار المالي في لبنان إلى تفاقم أزمة السيولة في سوريا. اعتمد العديد من التجار السوريين على القطاع المصرفي اللبناني لتمويل أنشطتهم.
ومع انهيار السيولة المقومة بالدولار الأمريكي في العديد من البنوك اللبنانية، تراجعت تدفقات النقد الأجنبي إلى سوريا. وفي نهاية عام 2019، وصل سعر الصرف إلى نحو 900 إلى 1000 ليرة للدولار الواحد.
منتصف عام 2020، دخل قانون “قيصر” الأميركي حيز التنفيذ، ما فرض عقوبات مشددة على الاقتصاد السوري، حيث تسبب القانون في مزيد من انهيار العملة، مع تجاوز سعر الصرف لأول مرة عتبة 3000 ليرة للدولار. دولار. لحظة في التاريخ.
واصلت الليرة السورية تراجعها خلال عامي 2021 و2022، في ظل غياب حلول اقتصادية جذرية واعتماد كبير على المساعدات الخارجية. وفي عام 2021، وصل سعر الصرف إلى نطاق 3500 إلى 4000 ليرة لكل دولار.
أما عام 2022، فستزداد الضغوط الاقتصادية مع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية. ووصلت الليرة السورية إلى مستوى 4500 إلى 5000 ليرة للدولار نهاية العام.
وفي عام 2023، وصلت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بسبب تفاقم الأزمات الداخلية وتراجع الدعم الخارجي. خلال الفصل الدراسي الأول.
وتراوح سعر الصرف بين 6 آلاف و7 آلاف ليرة للدولار، لكنه تعرض خلال النصف الثاني من العام لانهيار حاد، ليصل إلى نحو 13 ألف ليرة للدولار في السوق السوداء مع نهاية العام.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، سجل سعر صرف الليرة مستوى منخفضا جديدا، ليصل إلى 16 ألف ليرة مقابل الدولار، وسط مؤشرات على تنامي سيطرة المعارضة على مناطق واسعة من البلاد.
ومع انهيار نظام بشار الأسد، بدأت الليرة تستعيد بعض صحتها، مسجلة مستوى 10 آلاف ليرة للدولار قبل أن تهبط إلى نحو 15 ألف ليرة مقابل الدولار، في انتظار تأكيدات قد تدفع العملة السورية أمام العملات الأجنبية.
الأناضول